كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



هذا الحديث أدخل في العموم من الحديث الأول أعني بالنسبة إلى لفظ الصلاة والنظر إلى المعنى يقتضي التعميم وهو الأليق بمذهب الظاهرية وقد قدمنا ما يتعلق بحضور الطعام.
و(الأخبثان) الغائظ والبول وقد ورد مصرحا به في بعض الأحاديث ومدافعة الأخبثين إما أن تؤدي إلى الإخلال بركن أو شرط أو لا فإن أدى إلى ذلك امتنع دخول الصلاة معه وإن دخل واختل الركن أو الشرط: فسدت بذلك الاختلال وإن لم يؤد إلى ذلك فالمشهور فيه الكراهة.
ونقل عن مالك: أن ذلك مؤثر في الصلاة بشرط شغله عنه وقال: يعيد في الوقت وبعده وتأوله بعض أصحابه على أنه إن شغله حتى إنه لا يدري كيف صلى فهو الذي يعيد قبل وبعد وأما إن شغله شغلا خفيفا لم يمنعه من إقامة حدودها وصلى ضاما بين وركيه فهو الذي يعيد في الوقت.
وقال القاضي عياض: وكلهم مجمعون على أن من بلغ به ما لا يعقل به صلاته ولا يضبط حدودها: أنه لا يجوز ولا يحل له الدخول كذلك في الصلاة وأنه يقطع صلاته إن أصابه ذلك فيها.
وهذا الذي قدمناه من التأويل وكلام القاضي عياض: فيه بعض إجمال والتحقيق: ما أشرنا إليه أولا أنه إن منع ركن أو شرط: امتنع الدخول في الصلاة معه وفسدت الصلاة باختلال الركن والشرط وإن لم يمنع من ذلك فهو مكروه إن نظر إلى المعنى أو ممتنع إن نظر إلى ظاهر النهي ولا يقتضي ذلك الإعادة على مذهب الشافعي.
وأما ما ذكر من التأويل أنه لا يدري كيف صلى أو ما قال القاضي عياض أن من بلغ به ما لا يعقل صلاته فإن أريد بذلك الشك في شيء من الأركان فحكمه حكم من شك في ذلك بغير هذا السبب وهو البناء على اليقين وإن أريد به أنه يذهب الخشوع بالكلية فحطمه حكم من صلى بغير خشوع ومذهب جمهور الأمة أن ذلك لا يبطل الصلاة.
وقول القاضي ولايضبط حدودها أن أريد به أنه لا يفعلها كما وجب عليه فهو ما ذكرناه مبينا وإن أريد به أنه لا يستحضرها فإن أوقع ذلك شكا في فعلها فحكمه حكم الشاك في الإتيان بالركن أو الإخلال بالشرط من غير هذه الجهة وإن أريد به غير ذلك من ذهاب الخشوع فقد بيناه أيضا.
وهذا الذي ذكرناه إنما هو بالنسبة إلى إعادة الصلاة وأما بالنسبة إلى جواز الدخول فيها فقد يقال أنه لا يجوز له أن يدخل في صلاة لا يتمكن فيها من تذكر إقامة أركانها وشرائطها.
وأما ما أشار إليه بعضهم من امتناع الصلاة مع مدافعة الأخبثين من جهة إن خروج النجاسة عن مقرها يجعلها كالبارزة ويوجب انتقاض الطهارة وتحريم الدخول في الصلاة من غير التأويل الذي قدمنا فهو عندي بعيد لأنه إحداث سبب آخر في انتقاض الطهارة من غير دليل صريح فيه فإن إسناده إلى هذا الحديث فليس بصريح في أن السبب ما ذكره وإنما غايته أنه مناسب أو محتمل والله أعلم.
10- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب).
11- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».
في الحديث الأول: رد على الروافض فيما يدعونه من المباينة بين أهل البيت وأكابر الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله: (نهى عن الصلاة بعد الصبح) أي بعد صلاة الصبح وبعد العصر أي بعد صلاة العصر فإن الأوقات المكروهة على قسمين:
منها: ما تتعلق الكراهة فيه بالفعل بمعنى أنه إن تأخر الفعل لم تكره الصلاة قبله وإن تقدم في أول الوقت كرهت وذلك في صلاة الصبح وصلاة العصر وعلى هذا يختلف وقت الكراهة في الطول والقصر.
ومنها: ما تتعلق فيه الكراهة في الوقت كطلوع الشمس إلى الارتفاع ووقت الاستواء ولا يحسن أن يكون الحكم في هذا الحديث معلقا بالوقت لأنه لابد من أداء صلاة الصبح وصلاة العصر فتعين أن يكون المراد بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر.
وهذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار وعن بعض المتقدمين والظاهرية فيه خلاف من بعض الوجوه وصيغة النفي إذا دخلت على فعل اللفظ صاحب الشرع فالأول حملها على نفي الفعل الشرعي لا على نفي الفعل الوجودي فيكون قوله: «لا صلاة بعد الصبح», نفيا للصلاة الشرعية لا الحسية وإنما قلنا ذلك لأن الظاهر إن الشارع يطلق ألفاظه على عرفه وهو الشريعي.
وأيضا فإنا إذا حملناه على الفعل الحسي وهو غير منتف احتجنا إلى إضمار لتصحيح اللفظ وهو المسمى بدلالة الاقتضاء ويبقى النظر في أن اللفظ يكون عاما أو مجملا أو ظاهرا في بعض المحامل أما إذا حملناه على الحقيقة الشرعية لم نحتج إلى إضمار فكان أولى.
ومن هذا البحث يطلع على كلام الفقهاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» فإنك إذا حملته على الحقيقة الشرعية لم تحتج إلى إضمار فإنه يكون نفيا للنكاح الشرعي وإن حملته على الحقيقة الحسية وهي غير منتفية عند عدم الولي حسا احتجت إلى إضمار فحينئذ يضمر بعضهم الصحة وبعضهم الكمال وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل».
وأما حديث أبي سعيد الخدري وهو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان وخدرة من الأنصار فالكلام عليه تقدم.
وفي هذا الحديث زيادة على الأول فإنه مد الكراهة إلى ارتفاع الشمس وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق بل الارتفاع الذي تزول عنده صفرة الشمس أو حمرتها وهو مقدر بقدر رمح أو رمحين.
وقوله لا صلاة في الحديثين عام في كل صلاة وخصه الشافعي ومالك بالنوافل ولم يقولا به في الفرائض الفوائت وأباحاها في سائر الأوقات وأبو حنيفة يقول: بالامتناع وهو أدخل في العموم إلا أنه قد يعارض بقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» وكونه جعل ذلك وقتا لها وفي رواية: «لا وقت لها إلا ذلك» إلا أن بين الحديثين عموما وخصوصا من وجه فحديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر خاص في الوقت عام في الصلاة وحديث النوم والنسيان خاص في الصلاة الفائتة عام في الوقت فكل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر عام من وجه وخاص من وجه فليعلم ذلك.
[كلام المستملي].
قال المصنف رحمه الله: وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وابن العاص وأبي هريرة وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت ومعاذ بن عفراء وكعب بن مرة وأبي أمامة الباهلي وعمرو بن عبسة السلمي وعائشة رضي الله عنهم والصنابحي ولم من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما علي فهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين أبو الحسن واسم أبيه أبي طالب عبد مناف وقيل اسمه كنيته وعلي رضي الله عنه ذو الفضائل الجمة التي لا تخفى قيل: أسلم وهو ابن ثلاثة عشرة أو اثنتي عشرة أو خمسة عشرة أو ستة عشرة أو عشرة أو ثمان أقوال وقتل رضي الله عنه بالكوفة سنة أربعين من الهجرة في رمضان.
وأما عبد الله بن مسعود بن شمخ فهو أبو عبد الرحمن أحد علماء الصحابة وأكابرهم مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين.
وأما عبد الله بن عمر فهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن مرة العدوي ورياح في نسبه بكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف ورزاح بفتح الراء المهملة بعدها زاي مفتوحة وتوفي رحمه الله في سنة ثلاث وسبعين.
وأما عبد الله بن عمرو فهو أبو محمد وقيل: أبو عبد الرحمن وقيل: أبو نصير بضم.
النون وفتح الصاد عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم ابن سعيد بضم السين وفتح العين ابن سهم السهمي أحد حفاظ الصحابة للحديث والمكثرين فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: أنه مات ليالي الحرة وكانت الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وقيل مات سنة ثلاث وسبعين وقيل: غيره.
وأما أبو هريرة: فقد تقدم الكلام عليه.
وأما سمرة: فأبو عبد الرحمن وقيل: أبو عبد الله أو أبو سليمان أو أبو سعيد سمرة بن جندب بضم الدال وقد يقال: بفتحها ابن هلال فزاري حليف الأنصار قاله الواقدي توفي بالبصرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين.
وأما سلمة بن الأكوع: فهو سلمة بن عمرو بن الأكوع منسوب إلى جده الأكوع سنان بن عبد الله وسلمة أسلم يكنى أبا مسلم وقيل: أبا إياس وقيل: أبا عامر أحد شجعان الصحابة وفضلائهم مات سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة.
وأما زيد بن ثابت: فهو أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد أنصاري نجاري وقيل: يكنى أبا سعيد وقيل: أبا عبد الرحمن يقال: أنه كان حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: ابن إحدى عشرة سنة وكان رضي الله عنه من أكابر الصحابة متقدما في علم الفرائض وقيل: مات سنة خمس وأربعين وقيل: اثنتين وقيل: ثلاث وقيل: غير ذلك.
وأما معاذ بن عفراء: فهو معاذ بن الحرث بن رفاعة بن سواد في قول ابن إسحاق وقال ابن هشام: هو معاذ بن الحرث بن عفراء بن الحرث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار وقال موسى بن عقبة معاذ بن الحرث بن رفاعة بن الحارث.
وأما كعب بن مرة: فبهزي سلمى- فيما قيل مات بالشام سنة تسع وخمسين وقيل غيره.
وأما أبو أمامة الباهلي: فاسمه صدي بن عجلان وصدي- بضم الصاد المهملة وفتح الدال وتشديد الياء- من المكثرين في الرواية مات بالشام سنة إحدى وثمانين وقيل: سنة ست وثمانين وهو آخر من مات بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قول بعضهم.
وأما عمرو بن عبسة فهو أبو نجيح ويقال: أبو شعيب عمرو بن عبسة بفتح العين والباء معا والباء تلي العين ابن عامر بن خالد سلمي لقي النبي صلى الله عليه وسلم قديما في أول الإسلام وروي عنه أنه قال: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام ثم لقيه بعد الهجرة.
وأما عائشة رضي الله عنها: فقد تقدم الكلام في أمرها.
وأما الصنابحي: فهو عبد الرحمن بن عسيلة منسوب إلى قبيلة من اليمن كنيته.
أبو عبد الله كان مسلما على عهد رسل الله صلى الله عليه وسلم وقصده فلما انتهى إلى الجحفة لقيه الخبر بموته صلى الله عليه وسلم وكان فاضلا.
12- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب.
حديث عمر فيه دليل على جواز سبب المشركين لتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على ذلك لم يعين في الحديث لفظ السبب فينبغي مع إطلاقه أن يحمل على ما ليس بفحش.
وقوله يا رسول الله ما كدت أصلي العصر يقتضي أنه صلاها قبل الغروب لأن النفي إذا دخل على كاد تقتضي وقوع الفعل في الأكثر كما في قوله عز وجل: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] وكذا في الحديث.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» قيل: في هذا القسم إشفاق منه صلى الله عليه وسلم على من تركها وتحقيق هذا: أن القسم تأكيد للمقسم عليه وفي هذا القسم إشعار ببعد وقوع المقسم عليه حتى كأنه لا يعتقد وقوعه فأقسم على وقوعه وذلك يقتضي تعظيم هذا الترك وهو مقتض للإشفاق منه أو ما يقارب هذا المعنى.
وفي الحديث دليل على عدم كراهية قول القائل: ما صلينا خلاف ما يتوهمه قوم من الناس وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة لشغله بالقتال كما ورد مصرحا به في حديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى» فتمسك به بعض المتقدمين في تأخير الصلاة في حالة الخوف إلى حالة الأمن والفقهاء على إقامة الصلاة في حالة الخوف وهذا الحديث ورد في غزوة الخندق وصلاة الخوف فيما قيل: شرعت في غزوة ذات الرقاع وهي بعد ذلك ومن الناس من سلك طريقا آخر وهو أن الشغل إن أوجب النسيان فالترك للنسيان وربما ادعي الظهور في الدلالة على النسيان وليس كذلك بل الظاهر: تعليق الحكم المذكور لفظا وهو الشغل.
وقوله: (فقمنا إلى بطحان) اسم موضع يقوله المحدثون بضم الباء وسكون الطاء وذكر غيرهم في الفتح في الباء والكسر في الطاء دون الضم.
وقوله فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها قد يشعر بصلاتهم معه صلى الله عليه وسلم جماعة فيستدل به على صلاة الفوائت جماعة.
وقوله: «فصلى العصر» فيه دليل على تقديم الفائتة على الحاضرة في القضاء وهو واجب في القليل من الفوائت عند مالك وهي ما دون الخمس وفي الخمس خلاف ويستحب عند الشافعي مطلقا فإذا ضم إلى هذا الحديث الدليل على اتساع وقت المغرب إلى مغيب الشفق: لم يكن في هذا الحديث دليل على وجوب الترتيب في قضاء الفوائت لأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب على المختار عند الأصوليين.
وإن ضم إلى هذا الحديث الدليل على تضييق وقت المغرب: كان فيه دليل على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة عند ضيق الوقت لأنه لو لم يجب لم تخرج الحاضرة عن وقتها لفعل ما ليس بواجب فالدلالة من هذا الحديث على حكم الترتيب: تنبني على ترجيح أحد الدليلين على الآخر في امتداد وقت المغرب أو على القول بأن الفعل للوجوب.